السبت، 2 مايو 2009

يا مسافر وحدك






كما فى كل عام ، وبعد ان تتساقط اوراق شجرة التوت فى اول قريتنا عاد من جديد ......


فى بلدتنا التى تقتات فيها الأفواه القصص والأحاديث بديلاً عن الطعام الشحيح ، وعلى الرغم من مخزون الحواديت الغرائبية والخيال الخصب لأهلها الذين تحدثوا الى النداهة وتعرفوا على اشباح الذين سقطوا فى الساقية البحرية ، وألفوا ليل الغيطان بعفاريته وجانه ، ظل مولد (( الخضيرى )) حدثاً فريداً لا غنى عنه ، ليس فقط لما يجلبه من انتعاش لسوق القرية ولكن لما فيه من دفع لملل قد يقتل النداهة واشباح الساقية بل والجان ايضاً إن طال الأمر .

وسيدى الخضيرى الذى يقام له المولد – كما تحكى عجائز القرية – رجل صالح جاء الى مصر من بلدان بعيدة طالبا العلم والعزلة ، وقد حط بالقرية وظهرت له الكرامات التى لابد ان تحكى عن صاحب كل مولد كى يحصل على المسجد فوق الضريح ولقب (( الولى )) من المشى فوق الماء وإشفاء بعض المرضى ، والنور الذى يتبعه اينما ذهب وأشياء اخرى كثيرة ، ولا يعلم احد على وجه اليقين ما إذا كان الخضيرى يرقد فى الضريح ذى اللون الذهبى تحت قبة المسجد ، ام انه مجرد (( حدوتة )) اخرى من حواديت قريتنا ....!



******************


وبعيداً عن المولد وحكايات القرية ، وعلى الجانب الآخر من (( الترعة )) التى تقسم بلدنا الى نصفين غير متساويين كانت هناك قصة اخرى ، ربما لا يتحدث عنها كبار القرية ، لكن بالنسبة لنا نحن الصغار كانت مصدر مستمر لخيالنا الذى كان ينسج الأحداث حولها و الحكايات ...

الجانب الآخر من الترعة كان ارض فضاء مهجورة ، ليس بها سوى بيوت صغيرة متهدمة و سور من السلك الصدئ يحيط (( بالشونة )) ، و(( الشونة )) لم تكن سوى مخزن للحبوب لم يعد يستخدمه احد سوانا نحن اطفال القرية حين كنا نهرب من عصا (( الشيمى )) ناظر المدرسة أو رائحة اقدام استاذ اللغة العربية التى لا تطاق والتى لا ينفك يعبث بها طوال الحصة ، فنقفذ من فوق الأسوار المتهالكة ونذهب الى (( الشونة )) لنلعب الكرة .


وكانت تلك هى المرات القليلة التى اراه فيها هناك يجلس امام بيته الصغير وسط الخلاء فى ظل النخلة التى لم ارها تطرح قط ...


فقط يجلس ، ولا يصدر عنه اى حركة وكأنه جزء من الحائط القديم خلفه ، لم اره يتحرك إلا عندما امتدت يده ليضبط صوت المذياع الذى يدوى بصوت (( عبد الوهاب )) صديقه الوحيد فى هذا الفراغ ، وعندما كانت تعبث شياطيننا الصغيرة بعقولنا وتدفعنا لمشاكسة العجوز فنلتف حوله مستهزئين به ساخرين منه عندها كان ينظر لنا نظرة كفيلة بإخافتنا فنجرى بعيدا عنه ونجتمع معا تحت شجرة التوت لنتباحث فى شأنه هل هو واحد من العفاريت كما تدعى امهاتنا وهن يحذرننا من الأقتراب منه ، أم انه عجوز مختل العقل ولا أكثر لكن اى منا لم يسأل لماذا هو هناك وحده وسط الخلاء ....!


******************


فى هذا العام ولأول مرة وعلى غير العادة مر موكب خليفة الخضيرى – الذى لم يخلفه احد على احد – من امام الشونة ، والموكب هو بمثابة مراسم النهاية للمولد وتمر فيه قافلة المولد بشوارع القرية بداية بالخليفة والدراويش بملابسهم الخضراء والبيضاء ولحاهم الطويلة ورقابهم التى تهتز فوقها الرؤوس على انغام الطبل والدف من خلفهم ومروراً بالسيرك و بهلواناته وحميره وقروده و نهاية بموكب الغوازى والذى كنا نتبعه نحن الصبية بطبيعة الحال ....


وعندما مررنا امام العجوز رأيت المعجزة تحدث امامى حين وقف عن كرسيه الذى اعتقدت انه جزء من جسده ، ولاحت على فمه الخالى من الأسنان ابتسامة كبيرة فإزدادت بها تجاعيده الغائرة فى وجهه ، لم يبد ان هناك من يلحظ ما يحدث سواى فوقفت مكانى لأتأكد مما أرى لكن الزحام حجب عنى المشهد ، بصعوبة استطعت التخلف عن نهر الناس الذى يجرى وراء الموكب ووقفت امام المنزل القديم لكن لم يكن هناك سوى صوت عبد الوهاب الذى يدوى فى الفراغ الخالى لينادى (( يا مسافر وحدك ..... )) .


تمت

هناك 3 تعليقات:

الست فرويد يقول...

يا مسافر وحدك وفيتنى

بس انت كده مسافرتش لوحدك كل اللى هيقرا البوست روعة التصوير عندك هتخلى ناس كتير قوى تتنقل هناك
وتسافر معاك
وساعتها هتسمع زحمة يا دنيا زحمة:)


اول زيارة
واول تعليق كمان :)

تحياتى لك

shicooo يقول...

shokrn lel zyara wshokrn lel t3lee2

wyarb msh tkoon a5er mra

الست فرويد يقول...

طبعا موافقة ويسعدنى طبعا التواصل معاك دائما

كل الشكر لك

تحياتى