الأحد، 24 مايو 2009

افتقاد


ترقرقت الدموع فى عينى قبل ان اسمع دوى الصراخ ، لكنى لملمتها سريعاً حين باغتنى الطرق الشديد على الباب ...
اقشعر بدنى وانا اعبر الصالة ذات الأرضية العارية متجها نحو الباب حين تذوقت الطعم المالح للدموع التى ابتلعتها رغماً عنى فى حلقى....
انفتح الباب ولم ينغلق ....
امتلأت الصالة بكراسى متناثرة تجلس عليها وجوه أعرف القليل منها ، بعضهم يبكى ، بعضهم يواسينى ، والبعض الآخر يتحدث فى أشياء أخرى ....
رائحة القهوة ودخان السجائر تطغى على رائحة الهواء المكتوم داخل المنزل الذى لم تفتح نوافذه منذ الأمس ...
الوقت يمر ومعه تزداد رحلاتى القصيرة من الصالة الى الباب مودعاً أيادى تشد على يدى وأذرع تحتضننى ، حتى فرغت الكراسى من الوجوه التى حملتها ...
مررت بالطرقة القصيرة التى توصل للغرفة المغلقة ، سمعت صوت (( نهنهات )) متعبة من مكان ما بالصالة وانا أدير المقبض المعدنى البارد للغرفة ، فلم ألتفت ....
دخلت الغرفة التى مازالت رائحة الموت تغمرها وأغلقت الباب خلفى وأبتسمت .......
أبتسمت لأنى أخيراً ...... يمكننى البكاء ...

السبت، 16 مايو 2009

بداية جديدة


انحنى ظهرى لتلتقط يداى ما سقط من دفاتر الذكريات التى أهترئت صفحاتها ، فلملمت أزهار ميتة وابتسامات عصبية مبتورة وأنصاف قلوب ورقية وعهود لم تنفذ وصور باهتة صار من المستحيل معرفة الوجوه القديمة المطبوعة عليها ...
قلبت فى الدفاتر القديمة التى شاخت الحروف بين أوراقها فلم أجد غير ورقة واحدة بيضاء فى آخر الدفتر لم تعرف طعم الحبر فى قلمى بعد ...
وتحت وجه يحاول الأبتسام رسمته فوقها ، كتبت بخط عريض واضح .....
بداية جديدة

الثلاثاء، 12 مايو 2009

كادر المعلم (( الشمبونجى )) .





إعترافاً منها بدور مصر الرائد فى المنطقة وفى إطار الخطوات التى إتخذتها دولة (( شمبونجو )) الشقيقة للنهوض بالشعب الشومبونجى فى جميع المجالات وبخاصة مجال التعليم ، أعلن المتحدث الرسمى بإسم السفارة الشمبونجية فى خطاب رسمى بالسفارة فى القاهرة عن قيامهم بتعيين (( القرد اللى بيتكلم )) وزيرا للتربية والتعليم - فى شومبونجو –
والجدير بالذكر إن انتقال القرد اللى بيتكلم الى شمبونجو كان جزء من الصفقة التبادلية الأكبر فى تاريخ البلدين ، لما ادينالهم الشبكة القديمة ولبسنا احنا الشبكة الجديدة وأصر المسؤولون المصريون على إعطائهم القرد على اساس ان عندنا منه كتير واهى تبقى بجميلة برده .....!
وقد أظهر القرد ذكاء خارق مما حذى بالمسئوليين على تعيينه فى هذا المنصب الحساس ، وكمان القرد ما كدبش خبر وكان قد المسؤولية ، وكان أول شئ قام بيه أنه رتب دولاب الوزارة ، فحط الغيارات البيضة فى رف والبوكسرات الملونة فى رف تانى ، الأمر الذى كان يسبب البلبلة من قبل فى الأوساط العلمية – بشمبونجو طبعاً –
وإستكمالاً لخطته الطامحة للإرتفاع بمستوى التعليم قرر إن يبدأ بتنفيذ الكادر الجديد للمعلمين ، فعمل قعدة مع المعاونين ليه ، وخرج بعدة قرارات من ضمنها أن يتم عمل إمتحانات دورية لكل اللى عايز يدخل الكادر وهى امتحانات بسيطة فى الكمبيوتر و شوية لغات عبيطة كدة – عربى على ايطالى على هندى ... وكدة –
طب واللى ما ينجحش ؟ ..... ببساطة ما يدخلش ...!
ولما لقى أن الناس بتنفضلوا ، أتخذ خطوات أشد حدة فقرر عدم صرف بطاقة التموين لأى واحد ما دخلش الكادر – والذى يتكون من عدد 2 باكو شاى الفوازير ، وصوباتة موز مغربى (( من أبو نقطة )) مستورد من الأسماعيلية –
كما قرر سحب الجنسية الشمبونجية من أى واحد يسقط فى الإمتحان اللى هيتعمل كل 5 سنين ، ولما سئلوه الناس اللى هتتسحب الجنسية منهم يروحوا فين ...
رد ببساطة بأنهم يدورولهم على بلد تانى على اساس أنه وهو مال أمه بيهم ... ما يولعوا .....
ورداً على الحملة التى تنادى بعودة القرد لمصر قال : ماهى مصر مليانة ، ولا هو قطع أرزاق وخلاص .... !
وإلى أن نراكم فى رسالة أخرى نستودعكم الله ...
عمار يا شمبونجو ...

الجمعة، 8 مايو 2009

بحبك ما بعرف .....





على منضدتها المعتادة فى الركن البعيد أخرجت اوراقها البيضاء لترسم عليها بالقلم وردى اللون قلوباً سعيدة ، وورود صغيرة تحاول ان تفتح عيونها للشمس القادمة ، وهمسات خافتة متراصة الى جوار بعضها وكأنها تراتيل حب ....
تمتد يدها الى جبهتها لتعيد خصلة الشعر التى هربت من تحت الإيشارب فيروزى اللون ثم تتركها بإهمال متعمد لتسقط ثانية ، فتبدى دهشة مصطنعة وهى تعيد الكرة ..
وعندما تسمع الصوت الحالم لفيروز وهى تعترف لحبيبها (( بحبك ما بعرف )) وتحكى له عن القمر الذى صار أكبر فوق التلال ، و (( الزغلولة )) التى صارت تأكل اللوز والسكر ، ... تبتسم ...
تبتسم لتتناثر حولها نجمات صغيرة مشرقة ، و ورود بلون البحر فألملمها وأصنع منها عقداً أهديه لها ، تمسك بيدى لتحملنا أجنحة الفراشات إلى أعلى ، فوق قوس قزح فنسمع هناك أنغام أغنية قديمة نرقص عليها طوال الليل ، ثم نجلس فوق السحب بصحبة القمر ننتظر الشمس لتأتى ....
ومع الشمس يأتى يوم جديد ، ومعه أذهب إلى المقهى حيث أراها عبر الوجوه تجلس على المنضدة البعيدة لتخرج أوراقها البيضاء ....


مش عارف كتبتها ليه بس الأغنية بجد بتخلينى أحس بكدة .........
من الآخر لازم تسمعوها .........






السبت، 2 مايو 2009

يا مسافر وحدك






كما فى كل عام ، وبعد ان تتساقط اوراق شجرة التوت فى اول قريتنا عاد من جديد ......


فى بلدتنا التى تقتات فيها الأفواه القصص والأحاديث بديلاً عن الطعام الشحيح ، وعلى الرغم من مخزون الحواديت الغرائبية والخيال الخصب لأهلها الذين تحدثوا الى النداهة وتعرفوا على اشباح الذين سقطوا فى الساقية البحرية ، وألفوا ليل الغيطان بعفاريته وجانه ، ظل مولد (( الخضيرى )) حدثاً فريداً لا غنى عنه ، ليس فقط لما يجلبه من انتعاش لسوق القرية ولكن لما فيه من دفع لملل قد يقتل النداهة واشباح الساقية بل والجان ايضاً إن طال الأمر .

وسيدى الخضيرى الذى يقام له المولد – كما تحكى عجائز القرية – رجل صالح جاء الى مصر من بلدان بعيدة طالبا العلم والعزلة ، وقد حط بالقرية وظهرت له الكرامات التى لابد ان تحكى عن صاحب كل مولد كى يحصل على المسجد فوق الضريح ولقب (( الولى )) من المشى فوق الماء وإشفاء بعض المرضى ، والنور الذى يتبعه اينما ذهب وأشياء اخرى كثيرة ، ولا يعلم احد على وجه اليقين ما إذا كان الخضيرى يرقد فى الضريح ذى اللون الذهبى تحت قبة المسجد ، ام انه مجرد (( حدوتة )) اخرى من حواديت قريتنا ....!



******************


وبعيداً عن المولد وحكايات القرية ، وعلى الجانب الآخر من (( الترعة )) التى تقسم بلدنا الى نصفين غير متساويين كانت هناك قصة اخرى ، ربما لا يتحدث عنها كبار القرية ، لكن بالنسبة لنا نحن الصغار كانت مصدر مستمر لخيالنا الذى كان ينسج الأحداث حولها و الحكايات ...

الجانب الآخر من الترعة كان ارض فضاء مهجورة ، ليس بها سوى بيوت صغيرة متهدمة و سور من السلك الصدئ يحيط (( بالشونة )) ، و(( الشونة )) لم تكن سوى مخزن للحبوب لم يعد يستخدمه احد سوانا نحن اطفال القرية حين كنا نهرب من عصا (( الشيمى )) ناظر المدرسة أو رائحة اقدام استاذ اللغة العربية التى لا تطاق والتى لا ينفك يعبث بها طوال الحصة ، فنقفذ من فوق الأسوار المتهالكة ونذهب الى (( الشونة )) لنلعب الكرة .


وكانت تلك هى المرات القليلة التى اراه فيها هناك يجلس امام بيته الصغير وسط الخلاء فى ظل النخلة التى لم ارها تطرح قط ...


فقط يجلس ، ولا يصدر عنه اى حركة وكأنه جزء من الحائط القديم خلفه ، لم اره يتحرك إلا عندما امتدت يده ليضبط صوت المذياع الذى يدوى بصوت (( عبد الوهاب )) صديقه الوحيد فى هذا الفراغ ، وعندما كانت تعبث شياطيننا الصغيرة بعقولنا وتدفعنا لمشاكسة العجوز فنلتف حوله مستهزئين به ساخرين منه عندها كان ينظر لنا نظرة كفيلة بإخافتنا فنجرى بعيدا عنه ونجتمع معا تحت شجرة التوت لنتباحث فى شأنه هل هو واحد من العفاريت كما تدعى امهاتنا وهن يحذرننا من الأقتراب منه ، أم انه عجوز مختل العقل ولا أكثر لكن اى منا لم يسأل لماذا هو هناك وحده وسط الخلاء ....!


******************


فى هذا العام ولأول مرة وعلى غير العادة مر موكب خليفة الخضيرى – الذى لم يخلفه احد على احد – من امام الشونة ، والموكب هو بمثابة مراسم النهاية للمولد وتمر فيه قافلة المولد بشوارع القرية بداية بالخليفة والدراويش بملابسهم الخضراء والبيضاء ولحاهم الطويلة ورقابهم التى تهتز فوقها الرؤوس على انغام الطبل والدف من خلفهم ومروراً بالسيرك و بهلواناته وحميره وقروده و نهاية بموكب الغوازى والذى كنا نتبعه نحن الصبية بطبيعة الحال ....


وعندما مررنا امام العجوز رأيت المعجزة تحدث امامى حين وقف عن كرسيه الذى اعتقدت انه جزء من جسده ، ولاحت على فمه الخالى من الأسنان ابتسامة كبيرة فإزدادت بها تجاعيده الغائرة فى وجهه ، لم يبد ان هناك من يلحظ ما يحدث سواى فوقفت مكانى لأتأكد مما أرى لكن الزحام حجب عنى المشهد ، بصعوبة استطعت التخلف عن نهر الناس الذى يجرى وراء الموكب ووقفت امام المنزل القديم لكن لم يكن هناك سوى صوت عبد الوهاب الذى يدوى فى الفراغ الخالى لينادى (( يا مسافر وحدك ..... )) .


تمت