1)
اغلقت الباب خلفها واخذت نفساعميقا له رائحة هواء الشقة المكتوم ممتزجاً بطعم التراب الذى تسلل عبر الفتحة الضيقة فى النافذة مصطحبا معه الضوضاء وليدة الشارع بالأسفل ، فأحست بالأختناق ... القت بجسدها الذى اغتصبه التعب على اقرب شئ يصلح للجلوس عليه ، واسرعت تنزع حزائها الضيق عن قدمين متورمتين تنضحان بالألم ، حاولت ان تفكك اصابعها المتلاصقة ككتلة واحدة فشعرت باللزوجة المقززة لعرق يوم عمل كامل ، اقشعر بدنها لبرودة الأرضية العارية قبل ان تلمسها فأسرعت تدس قدميها فى (( الشبشب )) البلاستيكى الملقى بجوارها ..يتملكها الأحساس بالأختناق فتنزع (( طرحتها )) عن شعر مجعد ملتف حول نفسه تلتصق شعيراته معا بفعل العرق وكأنها تتقوى ببعضها البعض امام ذلك الضعف الذى يعتريها منذ زمن .تحاول جاهدة ان تسيطر على انفاسها المتلاحقة ، تنظر فى خواء الى الحائط المقابل لها لترى فتاة تحمل وجها كان يشبهها منذ سنوات ، ترتدى فستان ابيض وتتمايل فى دلال بين يدين لهما وجه يبتسم فى تكلف لا تتذكر صاحبه ، على شفتيها اشرقت ابتسامة صادقة اضائت الصورة التى علتها اتربة الزمن ..شئ ما بداخلها انكر ما يراه وتسائل متعجبا :ترى ...... لماذا كانت تبتسم ؟؟!
**********************
(2)
يصعد السلم ركضاً ليتسابق مع درجاته ممنياً نفسه بذلك الدفئ المنبعث من اللفافة بيده والذى يعول عليه ان يسد ثغر الجوع الذى ينهش روحه الآن بعد ان انتهى من تمزيق احشاءه ..وضع اللفافة بحرص بالغ على المنضدة - فى غرفته الضيقة فوق السطوح – وكأن قلبه هو الملفوف بين طياتها ، فض الأوراق بحرص ليرى امامه البخار المتصاعد من شطائر الفول بداخلها فأصبح لعابه سيولاً جارفة يصعب السيطرة عليها ، كان يتمنى ان يكمل الحلم بكوب الشاى الأسود المحبب اليه ولكن للأسف قلة المال والمياة المقطوعة عن الحى الفقير كله عائق لابأس به امامه.. امسك بآخر الشطائر وهو يلتهمها فى تلذذ عندما استرعى نظره الصورة المطبوعة على الورقة التى كانت تغلفها ، فمد يده يزيل بقايا الفول والزيت من فوقها، كانت صورة فوتوغرافية بحجم الصفحة لرجل يرتدى زى عسكرى يرقد على بطنه فوق كومة من الرمال تحت سماء صافية ، قاسية ، وجهه الأسمر له عينان يشعان ببريق جذاب رغم الرمال التى تناثرت فوقه .يمسك فى احدى يديه بحفنة من الرمال التى تلونت بلون دمائه القرمزى وقد تقلصت يده الأخرى ممسكة بعلم ثلاثى الألوان تحاول بإستماته ان تضمه الى الصدر الذى اختفى ضجيج النبض بداخله ...القى بما تبقى من الشطيرة فى فمه وتسائل - فى شك ممزوج بالسخرية - وهو يهم بإلقاء الأوراق الى الشارع المتسخ بالأسفل ...ترى ....... هل تستحق ؟؟؟!
تمت
هناك تعليقان (2):
تناولك للتفاصيل مبهر و راقِ جدا
thanx watmna en kol el a3mal tnal e3gabk
thanx again
إرسال تعليق