جلسنا معا فى نفس المكان وقد قررنا - دون ان نتفق - ألا نتحدث عن الأشياء التى ملت حديثنا عنها كلما اجتمعنا ، فكان صمتا طويلاً ....
المكان خالى حولنا إلا من بعض الوجوه التى تناثرت هنا وهناك ، حتى الهواء رقد فوق الحشائش بعدما اصبح عاجزا عن هز اغصان الأشجار ...
اخرجت سيجارة من علبة سجائر صديقى فلم يسألنى متى بدأت التدخين وكأنها خطوة متوقعة وحتمية فى حياتنا ..
حاولت الهروب من صمتنا اللانهائى بالنظر اليهما ، دائما ما يثبتان لى اننا مازلنا على قيد الحياة لكنى لم اجد إلا نظراتها الباردة تصطدم بصمته اللامبالى ، هربت منهما ايضا فلم اجد ما اهرب اليه ....
الأتوبيس يأتى من بعيد ليحصد الوجوه المتراصة على طول الكورنيش ، فيجمعها كلها فى مكان واحد ، وجوه متعبة ، حزينة ، سعيدة ، جامدة ... لا يهمه ذلك فى شئ .
بالصدفة اجد لى مكانا وسط الزحام ، تجلس بجوارى فتاة صغيرة ممن لا يزالون قادرين على الأبتسام ، تنظر لى أحاول الأبتسام مجاملة لها فلا استطيع ...
ادير وجهى نحو النافذة لأبحث عن الشمس و قد غطتها سحابة ترابية فلا أجد منها غير حرارتها الخانقة ، حديث كثيف يدور حولى فى كل افواه الراكبين فأغمض عينى طالبا العزلة ....
عقلى الباطن يحول ان ينافقنى فيرسل امام عينى اشكال مبهمة لها الوان مبهجة لكنها تتداخل معا فلا يبقى منها سوى المشهد المتكرر للشاشة السوداء الفارغة الذى تعرضه احلامى دوما ، الغريب اننى اغلقت عينى ولكن حديث الركاب مازال يصلنى بوضوح ....
تصل الى انفى رائحة المصانع المغلفة بالغبار على طول الطريق فأرى فيها وجوه العمال والموظفين المنهكة طوال الوقت وهم يخرجون من البوابات التى تسجنهم طوال اليوم ورغم ذلك لا يشعرون بالحرية ....
اشعر ان الوقت قد حان ، فأفتح عينى انظر الى الفتاة بجوارى لأجدها اصبحت عجوزا تتشح السواد لها ظهر منحنى يأن مع كل حركة تبحث بعينين زجاجيتين فى وجوه الناس عن شئ ما لاتعرفه .... ادخل من الباب فأرى امى تتابع نفس المسلسل الذى يعاد للمرة العشرين بنفس ترقب المرة الأولى ...
ترد سلامى الذى لم القه عليها دون ان تحول عينيها عن التلفزيون ، وتخبرنى شيئا ما عن الطعام المعد فى المطبخ ، ادخل الى الغرفة ، استلقى على الفراش بملابسى كاملة ، اضع ال (( mp3 )) فى اذنى فلا اسمع شئ ، انظر الى سقف الحجرة الذى لم يعد لونه ابيض كما كان ، وانتظر ما لن يأتى ..
.تمت.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق