الجمعة، 27 مارس 2009

تساؤلات للصور


1)

اغلقت الباب خلفها واخذت نفساعميقا له رائحة هواء الشقة المكتوم ممتزجاً بطعم التراب الذى تسلل عبر الفتحة الضيقة فى النافذة مصطحبا معه الضوضاء وليدة الشارع بالأسفل ، فأحست بالأختناق ... القت بجسدها الذى اغتصبه التعب على اقرب شئ يصلح للجلوس عليه ، واسرعت تنزع حزائها الضيق عن قدمين متورمتين تنضحان بالألم ، حاولت ان تفكك اصابعها المتلاصقة ككتلة واحدة فشعرت باللزوجة المقززة لعرق يوم عمل كامل ، اقشعر بدنها لبرودة الأرضية العارية قبل ان تلمسها فأسرعت تدس قدميها فى (( الشبشب )) البلاستيكى الملقى بجوارها ..يتملكها الأحساس بالأختناق فتنزع (( طرحتها )) عن شعر مجعد ملتف حول نفسه تلتصق شعيراته معا بفعل العرق وكأنها تتقوى ببعضها البعض امام ذلك الضعف الذى يعتريها منذ زمن .تحاول جاهدة ان تسيطر على انفاسها المتلاحقة ، تنظر فى خواء الى الحائط المقابل لها لترى فتاة تحمل وجها كان يشبهها منذ سنوات ، ترتدى فستان ابيض وتتمايل فى دلال بين يدين لهما وجه يبتسم فى تكلف لا تتذكر صاحبه ، على شفتيها اشرقت ابتسامة صادقة اضائت الصورة التى علتها اتربة الزمن ..شئ ما بداخلها انكر ما يراه وتسائل متعجبا :ترى ...... لماذا كانت تبتسم ؟؟!

**********************

(2)

يصعد السلم ركضاً ليتسابق مع درجاته ممنياً نفسه بذلك الدفئ المنبعث من اللفافة بيده والذى يعول عليه ان يسد ثغر الجوع الذى ينهش روحه الآن بعد ان انتهى من تمزيق احشاءه ..وضع اللفافة بحرص بالغ على المنضدة - فى غرفته الضيقة فوق السطوح – وكأن قلبه هو الملفوف بين طياتها ، فض الأوراق بحرص ليرى امامه البخار المتصاعد من شطائر الفول بداخلها فأصبح لعابه سيولاً جارفة يصعب السيطرة عليها ، كان يتمنى ان يكمل الحلم بكوب الشاى الأسود المحبب اليه ولكن للأسف قلة المال والمياة المقطوعة عن الحى الفقير كله عائق لابأس به امامه.. امسك بآخر الشطائر وهو يلتهمها فى تلذذ عندما استرعى نظره الصورة المطبوعة على الورقة التى كانت تغلفها ، فمد يده يزيل بقايا الفول والزيت من فوقها، كانت صورة فوتوغرافية بحجم الصفحة لرجل يرتدى زى عسكرى يرقد على بطنه فوق كومة من الرمال تحت سماء صافية ، قاسية ، وجهه الأسمر له عينان يشعان ببريق جذاب رغم الرمال التى تناثرت فوقه .يمسك فى احدى يديه بحفنة من الرمال التى تلونت بلون دمائه القرمزى وقد تقلصت يده الأخرى ممسكة بعلم ثلاثى الألوان تحاول بإستماته ان تضمه الى الصدر الذى اختفى ضجيج النبض بداخله ...القى بما تبقى من الشطيرة فى فمه وتسائل - فى شك ممزوج بالسخرية - وهو يهم بإلقاء الأوراق الى الشارع المتسخ بالأسفل ...ترى ....... هل تستحق ؟؟؟!



تمت

لا شئ


جلسنا معا فى نفس المكان وقد قررنا - دون ان نتفق - ألا نتحدث عن الأشياء التى ملت حديثنا عنها كلما اجتمعنا ، فكان صمتا طويلاً ....
المكان خالى حولنا إلا من بعض الوجوه التى تناثرت هنا وهناك ، حتى الهواء رقد فوق الحشائش بعدما اصبح عاجزا عن هز اغصان الأشجار ...
اخرجت سيجارة من علبة سجائر صديقى فلم يسألنى متى بدأت التدخين وكأنها خطوة متوقعة وحتمية فى حياتنا ..
حاولت الهروب من صمتنا اللانهائى بالنظر اليهما ، دائما ما يثبتان لى اننا مازلنا على قيد الحياة لكنى لم اجد إلا نظراتها الباردة تصطدم بصمته اللامبالى ، هربت منهما ايضا فلم اجد ما اهرب اليه ....
الأتوبيس يأتى من بعيد ليحصد الوجوه المتراصة على طول الكورنيش ، فيجمعها كلها فى مكان واحد ، وجوه متعبة ، حزينة ، سعيدة ، جامدة ... لا يهمه ذلك فى شئ .
بالصدفة اجد لى مكانا وسط الزحام ، تجلس بجوارى فتاة صغيرة ممن لا يزالون قادرين على الأبتسام ، تنظر لى أحاول الأبتسام مجاملة لها فلا استطيع ...
ادير وجهى نحو النافذة لأبحث عن الشمس و قد غطتها سحابة ترابية فلا أجد منها غير حرارتها الخانقة ، حديث كثيف يدور حولى فى كل افواه الراكبين فأغمض عينى طالبا العزلة ....
عقلى الباطن يحول ان ينافقنى فيرسل امام عينى اشكال مبهمة لها الوان مبهجة لكنها تتداخل معا فلا يبقى منها سوى المشهد المتكرر للشاشة السوداء الفارغة الذى تعرضه احلامى دوما ، الغريب اننى اغلقت عينى ولكن حديث الركاب مازال يصلنى بوضوح ....
تصل الى انفى رائحة المصانع المغلفة بالغبار على طول الطريق فأرى فيها وجوه العمال والموظفين المنهكة طوال الوقت وهم يخرجون من البوابات التى تسجنهم طوال اليوم ورغم ذلك لا يشعرون بالحرية ....
اشعر ان الوقت قد حان ، فأفتح عينى انظر الى الفتاة بجوارى لأجدها اصبحت عجوزا تتشح السواد لها ظهر منحنى يأن مع كل حركة تبحث بعينين زجاجيتين فى وجوه الناس عن شئ ما لاتعرفه .... ادخل من الباب فأرى امى تتابع نفس المسلسل الذى يعاد للمرة العشرين بنفس ترقب المرة الأولى ...
ترد سلامى الذى لم القه عليها دون ان تحول عينيها عن التلفزيون ، وتخبرنى شيئا ما عن الطعام المعد فى المطبخ ، ادخل الى الغرفة ، استلقى على الفراش بملابسى كاملة ، اضع ال (( mp3 )) فى اذنى فلا اسمع شئ ، انظر الى سقف الحجرة الذى لم يعد لونه ابيض كما كان ، وانتظر ما لن يأتى ..


.تمت.

تى شيرت


بالطبع لم يكن اول (( تى شيرت )) تشتريه ، ولم يعد هذا النوع من الملابس يناسب سنها الذى يقترب بسرعة من الأربعين ، هذا اذا تغاضينا عن لونه البرتقالى (( الفاقع )) الذى لا تستطيع العين تجنبه ، لكنها اشترته ....
ذهبت الى ذلك (( المول )) الذى لم يكن سوى مجموعة من المحلات الصغيرة متجمعة فى دور واحد له سلالم يهبط بها عن الأرض لمسافة صغيرة ، لتشترى شيئا ما للشتاء القادم دون ان يخل بالميزانية الصغيرة التى وضعتها لذلك ...
لم يكن معها من تسأله عن رأيه فيما تشترى ...ارتدت ذلك المعطف الأسود ، ذو القماش الصوفى والأزرار الرمادية الكبيرة فوجدت انه يضفى عليها – بالأضافة الى خلصة شعرها الفضية والتجاعيد حول ركن الفم – لمحة وقار احبتها كما انه يجعل لون بشرتها الشاحب يزداد وضوحا ليبدو كهالة ضوء تحيط بها ...
السعر الذى لمحته بطرف عينها مطبوعا على البطاقة الصغيرة عند الكم الأيسر يبدو مناسب ، انه الأختيار الأمثل اذا ، لكن لما لا تجرب شيئا آخر ولو على سبيل تضييع بعض من وقت الفراغ الشاسع لديها..؟!
امتدت يدها الى الجاكيت البنى ذو الفرو الناعم عند الرقبة – دائما ما تحب النساء ملمس الفرو الناعم – وكادت ان ترتديه حين لمحت اللون البرتقالى فى ركن المحل ، دفعها الفضول اليه ، امسكت به بيد واحدة فيما بدا للبائعة انه اشمئزاز فإنطلقت تقول شيئا ما عن ذوق الشباب الذى لا يعرف احد الى اين سينحدر اكثر من هذا رغم انها هى نفسها لم تتعد العشرين من عمرها ...!
امسكت ال (( تى شيرت )) بكلتا يديها بعد ان القت الجاكيت البنى جانبا، ونظرت بعينين سعيدتين الى الرسوم التى يحملها والجيب الكبير الواسع فى منتصفه وحسمت قضية جدال بدأتها البائعة بعينيها حين قالت بلهجة واثقة :
- سأشتريه .... !
تعجبت صديقتها من ذوقها الذى خانها لأول مرة ، وضرب بائع الصحف الذى تمر عليه كل صباح كفاً بكف متعجبا وهو يحكى لعسكرى المرور – وهما يشربان الشاى - عن تلك المرأة المتصابية و (( الحريم إللى بيتجنوا على كبر )) ، وتعجب زملائها فى العمل من هذا ال (( تى شيرت )) الذى ترتديه كل يوم تقريبا و تسائلوا عن السر ...!
بدأ الكلام وانتهى ولم يعرفوا السر ، ولم يعرفوا ايضا انها انها لا ترتديه فقط عند خروجها بل ترتديه فى كل وقت تقريبا ...!
والسبب الذى لم يعرفه احد انها عندما تجلس فى فراغ البيت المحيط بها وتشعر بالوحشة من اثاث المنزل الذى سأم وجودها الدائم هناك ، تضع كلتا يديها داخل جيبه الكبير لتمسك احداهما بالأخرى حين لا تجد من يمسك بيديها .... !
تمت.

الجمعة، 6 مارس 2009

انتظار



للمرة السادسة بعد المليون تقريبا تقف امام المرآة لتطمئن على ان مظهرها مازال رائعا وان الشعيرات البيضاء التى جاهدت لتخفيها مازالت مختبأة خلف الأصباغ ....
تنظر للساعة فى قلق و عقاربها تعدو نحو التاسعة وكأنها تسابق الوقت ذاته ، تجرى من حجرة لحجرة لتطمأن ان كل شئ معد فى مكانه كما خططت ، الشموع مضاءة ، شذى عطرها يغمر المكان ، الزهور فى موضعها على المنضدة ، الجو كله وكأنه جزء من قصة خيالية ....
جلست الى المائدة امام اطبقاها الفارغة ، نظرت الى الساعة التى تباطاءت عقاربها الآن حتى تكاد تتوقف ، اتخذت من السكين قلما لترسم به فوق صفحتها - التى صنعتها من المفرش الوردى فوق المائدة - قلوب صغيرة تخترقها اسهم خيالية لتحدث بها جروحا بالغة غير مؤلمة ، وتكتب عند احد طرفى السهم حرف اسمها الأول وعند الطرف الآخر رسمت علامات استفهام بطول الصفحة...

تمت